محمد راجح –العربي الجديد
ظل اليمني وائل النهاري، متردداً كثيراً لعدة أيام في النزول إلى العمل خشية التحذيرات من الطقس السيئ خلال الأيام الماضية، لكنه حسم أمره في بسط بضاعته فوق أحد أرصفة العاصمة صنعاء، حتى لا يضيع عليه موسم حيوي للكسب والحصول على أموال زهيدة تعينه على مواجهة صعوبات الحياة.
لكن ما إن استقر في مكانه المعتاد وترتيب بضاعته من الملابس، حتى فوجئ وغيره من عمال البسطات بهطول الأمطار بغزارة مخلفة أضراراً وخسائر للبضائع والبسطات ومواقعها.
يعبر هذا العامل، لـ”العربي الجديد”، بحسرة بالغة عن ضياع وتسرب الحركة الموسمية السنوية من بين أيديهم دون أن يجدوا أي مساعدة من الجهات والسلطات المحلية في العاصمة اليمنية.
وتشهد صنعاء والعديد من المدن اليمنية أمطاراً غزيرة منذ أيام بعد أن كانت متقطعة خلال مارس/ آذار الماضي، وهو ما تسبب في إلحاق أضرار بالغة وتوقف عمال البسطات المنتشرين بدون أي وسائل حماية تقيهم من الأمطار وأحوال الطقس في مختلف الشوارع والأحياء الرئيسية.
وبجانب خسائر الأمطار يشكو عمال البسطات في مدينة عدن جنوب اليمن، ملاحقات متواصلة مؤخراً من قبل السلطات المحلية ومنعهم من العمل مع وصول الأمر إلى مصادرة بسطاتهم وبضائعهم.
ويقول البائع فوزي محمد، لـ”العربي الجديد”، إنّ “الأمطار فاقمت معاناة البائعين الذين يواجهون بالأساس فرض إتاوات وملاحقات من السلطات من دون وجه حق”.
ويعد شهر رمضان أهم فترة تزدهر فيها الأعمال الموسمية والتي يجري الاستعداد لها قبل فترة من حلول هذا الشهر، الذي تزدهر خلاله مختلف الأنشطة التجارية، لتعد الأرصفة والميادين المختلفة ملاذ الكثيرين من الباحثين عن الرزق.
من أمام أحد المولات الشهيرة في منطقة حدة بصنعاء، يقول البائع هاني الدبعي، لـ”العربي الجديد”، إن أغلب فترات اليوم تمر دون عمل لعدم القدرة على عرض البضاعة في المكان الذي يضع عليه بسطته في منطقة تشهد مرور سيول وفيضانات مع هطول الأمطار بسبب وقوعها على سفح جبل عطان جنوب العاصمة اليمنية.
ويؤكد سليم ناجي، مالك بسطة، لـ”العربي الجديد” إنّ البضاعة التي يعرضها قام باستدانتها من تجار الجملة بهدف الاستعداد لهذا الموسم التجاري الرمضاني، والذي تنشط خلاله الأعمال وتمكنه من سداد قيمة هذه البضاعة، وهي نفس الطريقة التي يتبعها مختلف الباعة في مثل هذا النوع من الأعمال الموسمية.
كما تلقى عمال البسطات في مدينة تعز جنوب غربي اليمن، لضربة موجعة نتيجة التغير المتواصل في الطقس وسوء الأحوال الجوية وتكبدهم لخسائر جسيمة نتيجة عدم قدرتهم على العمل وتصريف بضائعهم المكدسة طوال اليوم دون القدرة على عرضها وبيعها.
وجرفت مياه الأمطار بضائع الكثير من عمال البسطات في منطقة التحرير وسط صنعاء التي تشهد أكبر تجمع لعمال البسطات والباعة الجائلين. ويقول عمر الريمي، أحد الباعة الجائلين في هذه المنطقة، لـ”العربي الجديد”، إن توفير وسائل حماية تقيهم الأمطار وسوء الأحوال الجوية كالمظلات مكلف ويفوق قدراتهم، فضلا عن أن السلطات تمنع ذلك باعتبارهم يفترشون الأرصفة.
وفي المقابل، يشكو ملاك البسطات العاملين داخل المولات والمراكز التجارية، من ارتفاع الإيجارات إلى مستويات قياسية تجعلهم عاجزين عن تسديدها، الأمر الذي يدفعهم لتركها والخروج إلى أرصفة الشوارع.
ويقول الباحث الاقتصادي جمال راوح، لـ”العربي الجديد”، إن هذه البسطات وهذا النوع من الأعمال التجارية أصبحت ملاذا رئيسيا يجتذب اليمنيين ممن فقدوا رواتبهم ومصادر دخلهم وسبل عيشهم المتاحة بسبب الحرب والصراع في البلاد واضطرارهم إلى البحث عن أي بدائل للعيش وكسب الرزق لإعالة أسرهم مع استمرار تردي الأوضاع المعيشية وانزلاق الكثير إلى قاع الفقر المدقع في ظل انخفاض قدراتهم على التحمل والصمود.
وتتكدس فئة عمالية كبيرة في أرصفة الشوارع والأحياء في عدد من المدن اليمنية مثل صنعاء وعدن وتعز وإب وحضرموت والحديدة، والتي تزدحم بالباعة الجائلين لمختلف أنواع السلع والبضائع من خضروات وفاكهة ومواد غذائية وملابس وأدوات كهربائية ومنزلية تباع بأسعار مناسبة نظراً لنوعيتها وجودتها الأقل مقارنة بالأصناف التي تباع في الأسواق الرسمية والمولات والمراكز التجارية.
ويقول المحلل الاقتصادي علي الشرجبي لـ”العربي الجديد”، إن هناك تقصيرا من السلطات المحلية في إيجاد حل لتصريف مياه الأمطار التي تتكدس في الشوارع والأحياء في مدن محاطة بجبال وتفتقد للتخطيط الحضري المناسب، وهو ما يجعلها عرضة للأضرار الواسعة مع هطول الأمطار التي ستتواصل وفق حديثه مع حلول فصل الصيف وبدء الموسم الزراعي.
ويساهم رمضان كما اعتاد اليمنيون خلال الفترات السابقة في تشكل حركة مالية واسعة تجد طريقها إلى الأسواق ومختلف الأعمال والأنشطة وبروز فرص موسمية مرتبطة بهذه الفترة تستقطب العديد من الأيدي العاملة وفرصة لكثير من المواطنين والذين لا يجدون أعمالا منتظمة طوال العام في توفير مصاريف ومتطلبات هذه الفترات من المناسبات.
ويرى الباحث الاقتصادي سهيل مجاهد، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن تبعات الحرب والصراع أثرت على مثل هذه الأعمال الموسمية في اليمن، لكن بالرغم من ذلك، فهي إحدى أهم الفرص المتاحة في العام للكثير من العمال وملاك البسطات والباعة الجائلين الذين يعولون عليها كثيراً.